اللهم إني لا أسالك رد القضاء ..ولكني أسألك اللطف فيه ، هل حقا جاء الوقت الذي يضحك فيه العالم على رئيس مصر؟ إحساس بالحرج يملأني ، يغرقني، يصل لدرجة الصدمة .
في دبي، كنت أجلس أول أمس في مكتبي منهمكا تماما في عملي ( الذي هو في أغلبه باللغة الإنجليزية) عندما انفجرت من خارج المكتب أصوات ضحك غير معتادة في مكان عمل هاديء صامت طوال الوقت، ضحكات عالية هستيرية، رجال وبنات ، انتويت الخروج لاستطلاع الأمر لكن الانشغال الشديد منعني، وما هي إلا لحظات يسيرة حتى وجدتهم يقتحمون علي المكتب فجأة بربطة المعلم ، وهم من جنسيات عربية متنوعة وبيني وبينهم عشرة ومحبة، ليعرض علي أحدهم من تليفونه المحمول وسط الضحكات فيديو للرئيس "بتاعنا" وهو يتحدث بالإنجليزية في ألمانيا.
الضحكات تتوالى على رئيس مصر وتعلو مع منظر ضحكات الحضور في القاعة التي يخاطب فيها الرئيس مستمعيه بينما الأخير منهمك في شرح الفارق اللغوي بين التقابل والتضاد ، فيرساس وأجينست في أداء كوميدي مبدع . يقول الجملة باللغة العربية ثم يستبدل كلماتها بكلمات انجليزية! على طريقة " بحبك ويذ ذا بروفيت" يعني بحبك والنبي!
وأنا باشرب تي عال كوفي ، يعني باشرب شاي عالقهوة وهكذا.. أي فضيحة! وفي الأيام التالية لم يبخل علي كل من قابلته ، وحتى اثناء كتابة هذا المقال في أن يبدي استعجابه، بعضهم يضحك، وبعضهم غاضب لمصر التي يحبها، والبعض الآخر غاضب للأمة العربية كلها والتي فضحت بسبب السخرية من رئيس أكبر دولة فيها، الدولة الأم على حد وصفهم.
وفي قلب الإحساس بالألم والمرارة قلت لنفسي أنه قبل سنوات قلائل كان العقيد القذافي يثير ضحك العالم، واليوم ، ومن وراء كل توقع أو حتى خيال مهما شطح، يأتي الدور على رئيس مصر، رئيس مصر ما بعد الثورة، وما أسوأ حظك في حكامك يا مصر، كارثة! تذكرت كيف ضحكت أنا يوما ولدرجة الدموع على الأخ العقيد القذافي، وهو يخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل سنوات خلت، تماما كما يضحك زملائي اليوم على الأخ رئيس مصر، وذلك عندما نسي الأخ القذافي خطابه الذي يلقيه في ليمسك بسماعة المترجم ويخاطبه أمام الناس في القاعة منهمكا في شرح ترجمة " زاد الطين بلة!" to add insult to injury بينما تضج القاعة بالغارقين في الضحك .
علما بأن الوصف اللغوي منطبق تماما على حال رئيس مصر اليوم . لم أتخيل كيف يمكن للأيام أن تدور علينا وعلى بلدنا الغلبان إلى هذا الحد ، لأ وكمان بعد ثورة ! وإذا كان السيد الأخ قد أثار بالأمس البعيد كل هذا الضحك، وهو مجرد أخ واحد، فما بالك إذا كانوا اليوم إخوااان !! تذكرت كيف كان العقيد القذافي يحدق في السقف باستمرار وكأنه ينتظر الإلهام، وكيف إن رئيسنا اليوم يحدق في ساعته باستمرار وكأنه ينتظر الترام! بل ولا يستنكف سيادته، في راحة تامة يحسد عليها أن يمد يده أمام كاميرات العالم ليعبث في "مواضع" من جسد سيادته طلبا للحصول على أقصى " وضع" من الراحة دون اعتبار أو احترام للمكان أو للسيدة الجالسة بجواره ظنا منه أن أحدا لا يلاحظ وكأنه جالس بالجلباب على المصطبة على باب بيتهم في قريته في الزقازيق ..والعادة تحكم!
أي ألم وأي مرارة وأي مصيبة ! تذكرت السادات رحمه الله ، ذلك الذي لم يحصل على الدكتوراه من أمريكا كصاحبنا، بل كان مجرد ضابط مفصول في سلاح الإشارة عمل سائقا وتباعا على سيارات نقل في صعيد مصر، أراد له أتباع عبد الناصر الذين وضعوه في كرسيه أن يكون رئيسا منظر، فاترينة، واجهة فلم يقبل على نفسه أن يكون حاكما تابعا يتلقى تعليمات وأوامر، لم يقبل على بلادنا أن تحكم غشا من خلف ستار ،أتلف التسجيلات على خلق الله حرقا في عرض الطريق ، فكان، اتفقنا معه أم اختلفنا، نعم الواجهة لمصر ليكسب لمصر احترام العالم كله بلغته ومظهره وسلوكه وشخصيته، أما اليوم، فتأبى يا رئيس مصر الثورة بكل تصميم وعناد إلا أن تكون واجهة لغيرك وتابعا مخلصا لمن وضعوك على كرسيك الذين استهانوا بك لدرجة التشدق علنا بالتسجيلات ومخاطبة الجيش مباشرة دون حتى أي حفاظ على مظهرك وكرامة منصبك، وأنت ولا أنت هنا رغم كل الصراخ والهتاف ظنا منك أنه ملتزم اخلاقيا بإثبات الولاء والانتماء لهم وبأن الكرسي لم يغيرك!! تراه وفاءا وأراه مصيبة على أم رأس مصر وشعبها وشهدائها فلا ولاء إلا لشعب مصر ولو على حساب الولاء لمن وضعوك على كرسي ال حكم فيها، ولكنك تأبى أن تفهم، وتأبى بعناد عجيب غير مبرر إلا أن تطبق القاعدة بالشقلوب لتكسب في داخل مصر وخارجها سخرية العالم .
ما تعتبره ولاء يا سيادة الرئيس ليس إلا إهانة لمنصبك وكارثة حتى على شخصك ومقامك واعتبارك، ناهيك عن مقام رئيس مصر ، ومقام مصر التي تحكم ، والتي نجرجرها كلها معك إلى الحضيض سحلا من أجل خاطر بديعك وشاطرك . والنتيجة أن أحدا لا يصدقك ،ولا يبالي بكلامك، ولا بحظر تجولك، أتحداك يا رئيس مصر أن تخرج علينا لتقول بأعلى صوتك "أنا رئيس مصر وليس محمد بديع ولا خيرت الشاطر، فيرساس وآجينست معا"أتحداك، شرط أن تقرن القول بالفعل ولو لمرة واحدة ولكنك لن تفعل، لأنك اعتدت التبعية والعادة تحكم أيضا ، تظن مخطئا أنك إذا تخليت عن متبوعيك فإنك سوف تغرق وتضيع وتتوه ولن ينقذك أحد ، أنهي إليك خبرا، أنت غارق بالفعل ولا يمكن أن تكون في حال أسوأ مما أنت عليه الآن " أول ريدي!!"
بينما أن مصر مليئة بالأكفاء على أرفع مستوى يحسدنا عليهم العالم ويستعيرونهم منا ويستفيدون بهم من دوننا وكأننا شجرة تسقط ثمارها باستمرار في خارج أرضها، كفاءات في كل المجالات ممن يريدون أن يخدموها بأعينهم من خلالك، جاهزين متحمسين ينتظرون مجرد إشارة ، يقفون أمام عينيك وعلى بابك ولا تراهم ولن تجرؤ على شق عصا الطاعة وأنت لا ترى غير بديعك وشاطرك ، حتى مستشاروك المحترمين انفضوا من حولك وقد أصبح بقاءهم بجانبك "عيبة". إن كنت لا تصدقني فخذ سيادتك سيارة الرئاسة واقرأ كل ما كتب عنك على كل جدران مصر في شوارعها وحواريها ، كتابات تموج كلها بكراهيتك وبكل ما يهينك وينال منك بما في ذلك أبواب قصرك، قصر الاتحادية الذي تحول إلى قصر الانقسامية بفضل جماعتك بينما أنت جالس تتفرج لا حول لك لا قوة وكأن الأمر ليس من شأنك، وإذا كان العلاج هو دهان أسوار قصرك فأولى بك أن تدهن مصر كلها مرتين في الأسبوع إن استطعت، أتحداك أن تذهب إلى شارع محمد محمود، وتقف بسيارتك لتتأمل وجوه الشهداء المرسومة على حوائطه ، أنظر في أعينهم وتأمل صورهم تنظر إليك، اتحداك إن تجروء على النظر في أعينهم وهم مجرد صور ولن تستطيع .
لن تستطيع مهما حاولت وقد ضيعت حقوقهم إلى الأبد ، ولكنك تعلم كما أعلم أنهم سينظرون إليك ذات النظرة يوم القيامة، وساعتها لا مهرب لك ، لن تجيرك أسوار ولن يجمل مظهرك دهان، ولن ينفعك لا محمد بديع ولا خيرت الشاطر. قل لي كيف كان شعورك وقد خرج الناس في مدن القناة عن بكرة أبيهم يقيمون حفلات غنائية ومهرجانات رياضية وكأنهم يخرجون لعبد الناصر في عام 1956 ، الفرق أنهم خرجوا له حبا واحتراما وخرجوا عليك ردا على قرارك فرض حظر التجول بهتافات امتلأت بالشتائم والإهانات، كيف قبلت ذلك على نفسك يا رجل؟! أقسم بالله لو كنت مكانك لما احتملتها ولا للحظة واحدة ولقدمت استقالتي فورا، فإما أن أكون رئيسا تحترم قراراته، وإما ألا أكون رئيسا على الإطلاق ولكنك لا تملك حتى الاستقالة إلا بإذن!! . أقول لك إذا أردت أن تتحدث بالإنجليزية فاستعن بمدرس وتعلمها أولا لو سمحت ، وإلا فأنا الذي يرجوك متوسلا ومعي شعب مصر والأمة العربية قاطبة، بل وكافة شعوب الأرض المحبة للسلام نرجوك فرادى وجماعات أن تبتعد عن مسألة اللغات وتكتفي بخطبة الجمعة ولك علينا أن نستمتع بها من الآن فصاعدا كل الاستمتاع، أقول لك وأحذرك بما سبق وقلته لمبارك في عز قوته ، الرهان على خوف الناس رهان خاسر، لأن الخوف سوف يتحول في لحظة واحدة إلى قرف، وساعتها سيكتسح القرف كل شيء ولن يبقي على شيء ، أقول لك أني كمصري لا أقبل أن يكون رئيس مصر مرؤوسا لآخرين .. أيا كانوا.. لأن ما تعتبره وفاءا اعتبره غشا، وما تعتبره ولاء لما هو غير شعب مصر ليس إلا خيانة عظمى، ولن ينفعك في حالك المزري هذا أي قوانين تحميك من الإهانة، فإذا كان هناك قانون يجرم إهانة رئيس مصر، فتأكد كذلك أن هناك أيضا قانون أقوى وأشد، يجرم إهانة الرئيس لمصر!
0 اكتب تعليق على "المستشار أشرف البارودي يكتب: فيرساس وآجينست"