قلةٌ التقطت بيضة القبان في الميزان الحساس بين واجب دعم المقاومة بجميع فصائلها بلا تحفظ من ناحية، وعدم الإنجرار من أخرى لتبييض صفحة الإخوان المسلمين السوداء في "الربيع العربي" عبر تجيير تضحيات وإنجازات المقاومة في جيب المحور القطري-التركي-"الإخواني" في مواجهة مصر أو في مواجهة محور المقاومة والممانعة.
قلةٌ أقل أدركت الفروق الدقيقة بين التحليل السياسي الذي يشخص التأثير الموضوعي (السلبي) على غزة للصراع الذي يخوضه نظام السيسي مع الإخوان المسلمين في مصر، والموقف السياسي والاستراتيجي المستند إلى مصلحة مصر والأمة العربية في دعم المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني، بما يتضمنه ذلك من ضرورة رفع الحصار عن غزة وتقديم كل أشكال الدعم للمقاومين.
معركة غزة من المنظور العسكري هي معركة غير متكافئة بين جيش صهيوني يمتلك كافة أنواع الأسلحة والدعم المالي والتكنولوجي الغربي، وبين قطعة صغيرة محاصرة من الأرض مكتظة بالسكان واللاجئين لا تمتلك جيشاً ولا هيئة أركان ولا سلاح جو ولا أنظمة دفاع جوي ولا دبابات ولا مدفعية ثقيلة ولا سفناً حربية ولا غواصات، كما أشار أحد الكتاب الغربيين لمواطنيه.
قلةٌ أقل أدركت الفروق الدقيقة بين التحليل السياسي الذي يشخص التأثير الموضوعي (السلبي) على غزة للصراع الذي يخوضه نظام السيسي مع الإخوان المسلمين في مصر، والموقف السياسي والاستراتيجي المستند إلى مصلحة مصر والأمة العربية في دعم المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني، بما يتضمنه ذلك من ضرورة رفع الحصار عن غزة وتقديم كل أشكال الدعم للمقاومين.
معركة غزة من المنظور العسكري هي معركة غير متكافئة بين جيش صهيوني يمتلك كافة أنواع الأسلحة والدعم المالي والتكنولوجي الغربي، وبين قطعة صغيرة محاصرة من الأرض مكتظة بالسكان واللاجئين لا تمتلك جيشاً ولا هيئة أركان ولا سلاح جو ولا أنظمة دفاع جوي ولا دبابات ولا مدفعية ثقيلة ولا سفناً حربية ولا غواصات، كما أشار أحد الكتاب الغربيين لمواطنيه.
كثيراً ما ننسى نحن العرب مثل هذه الحقيقة الجوهرية، علماً أننا جميعاً نعرفها جيداً، لكنها حقيقةٌ لا يحق لنا أن ننساها لأنها تثبت أن من يهزم العدو الصهيوني في غزة اليوم هو اللحم الصامد وإرادة المقاومين والعقل المبدع ودم الأطفال تحت المنازل المهدمة، وأن غزة تخوض المعركة وحدها، بلحمها، وبمقاومة قطعت أشواطاً بعيدة في بناء نفسها.
ثمة حقيقتان جوهريتان عن غزة لا يحق لأحد أن يقفز عنهما اليوم: حقيقة العدوان الغاشم، وحقيقة المقاومة الأسطورية.
وهاتان الحقيقتان وحدهما تفرضان على كل ذي ضمير أن يقدم الدعم لها ولمقاوميها بما يملكه بلا حدود.
هاتان الحقيقتان تفرضان أيضاً أن نقيمهما من وجهة نظر مصلحة الأمة، ومصلحة الأمة تتلخص بمواجهة العدوان وصده.
هاتان الحقيقتان تفرضان أيضاً أن نقيمهما من وجهة نظر مصلحة الأمة، ومصلحة الأمة تتلخص بمواجهة العدوان وصده.
وهي مصلحة لمحور المقاومة والممانعة لم يقصر البتة بالسعي لتحقيقها عبر ما قدمه لقوى المقاومة المتعددة في غزة من دعمٍ عسكريٍ أو ماديٍ أو إعلاميٍ أو معنوي. كما أنها مصلحة لمصر، مصر الدولة والشعب وقلب العروبة، لأن "فك ارتباط" مصر بغزة غير ممكن من المنظور الجغرافي-السياسي، أو من المنظور الإستراتيجي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العدو الصهيوني لا يستطيع الاستمرار في المنطقة باطمئنانٍ على المدى البعيد إلا إذا شطب هويتها الجامعة و فكك الدول العربية المركزية، وأولها مصر، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المستفيد الأول من تفكيك الجيش العراقي (عام 2003) ومحاولة استنزاف الجيش السوري وإشغال الجيش المصري هو العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية التي ما برحت تسعى لوضع مصر قيد التبعية.
مصلحة مصر إذن هي الانخراط في غزة أكثر من أي طرف عربي أو إقليمي آخر، فإذا كان البعض يقصد إحراجها وتعزيز الدور القطري-التركي على حسابها، وفرض تنازلات سياسية إقليمية عليها، فإن مواجهة ذلك لا تكون بالانسحاب، غير الممكن عملياً، بل باستعادة دور القائد التاريخي جمال عبد الناصر في غزة، من الفالوجة إلى إطلاق عمليات الفدائيين عبرها في الخمسينيات (وهو ما يتناساه كثرٌ عمداً).
مصلحة مصر إذن هي الانخراط في غزة أكثر من أي طرف عربي أو إقليمي آخر، فإذا كان البعض يقصد إحراجها وتعزيز الدور القطري-التركي على حسابها، وفرض تنازلات سياسية إقليمية عليها، فإن مواجهة ذلك لا تكون بالانسحاب، غير الممكن عملياً، بل باستعادة دور القائد التاريخي جمال عبد الناصر في غزة، من الفالوجة إلى إطلاق عمليات الفدائيين عبرها في الخمسينيات (وهو ما يتناساه كثرٌ عمداً).
فالوضع الطبيعي أن يكون لمصر أكبر ثقل سياسي داخل غزة، وأن تفعّل ذلك الثقل في المقاومة، وأن لا تسمح مصر لمنافسيها أن يلعبوا في حديقتها الخلفية كأنه أمرٌ لا يعنيها! وليس من ينسقون مع العدو الصهيوني بديلاً حقيقياً للإخوان، ففي غزة وغيرها قوى كثيرة لا تنتمي للإخوان ولا تتبع للسلطة الفلسطينية، وفي الأمة العربية برمتها قوى تنتظر من مصر أن تحقق مصيرها التاريخي وأن تلعب دورها الطبيعي وأن تملأ مجالها الحيوي، فإلى متى يا مصر؟!
رب قائل أن مصر لا تستطيع التورط في معركة الآن مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، لكن المعركة مفتوحةٌ على الجيش والدولة المصرية منذ إطاحة الرئيس "الإخواني" المعزول محمد مرسي بانتفاضة شعبية، ويعرف صناع القرار في مصر جيداً أنها ليست بالأساس نتاج عوامل داخلية مصرية، ولا نطلب من مصر الدخول مباشرةً في مثل تلك المعركة، فالمطروح أعلاه أكثر من مجرد دعم المقاومة هنا والآن في هذه المعركة، إنما إدراك الواقع الإستراتيجي المحيط بمصر، ومواجهة التحديات الحقيقية حولها، فليس لمصر خيار ثالث بين النهج الناصري أو الساداتي، فإما هذا وإما ذاك، ويستحيل الجمع بينهما.
في ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة لا يفوتنا أن محاولة ادخال مصر بيت الطاعة التركي-القطري لا يجوز ولا يفهم منه إلا محاولة دفع مصر نحو البيت الصهيو-امريكي، وهو ما لا ينسجم مع خط المقاومة المفترض أنه وطني خالص وليس فصائلياً (إخوانياً). لكن المقاومة ليست حماس، وبطولة كتائب القسام إزاء العدو الصهيوني ليست حماس المختبئة خلف الحلف القطري-التركي المعادي لمصر التي تتعرض لعدوان يومي يستهدف جيشها، ولمصر ان تطمئن أن غزة لن تكون منطلقا لعمليات ضدها، ويمكن الاستشهاد هنا بموقف "الجهاد الاسلامي" المتوازن في التعاطي مع مصر، فلا بد من مبادرة غزاوية باتجاه مصر أيضاً.
لا يمكن أن يكون الموقف القومي المبدئي إلا رفض الهُدن طويلة الأمد مع العدو الصهيوني، والمبادرات التي تصب في طاحونة تزكية هذا الطرف أو ذلك على مائدة المفاوضات السياسية مع العدو الصهيوني، وأي تسوية مع العدو الصهيوني أصلاً. لكن ليس مفهوماً البتة رفض المبادرة المصرية لعام 2014 ليُقبل شبيهها من عام 2012، ولا أن تُرفض المبادرة المصرية إلا إذا عُدلت عبر بوابة قطر وتركيا!!! لكنه الفراغ الذي تركته مصر في مجالها الحيوي، الذي يهددها قبل غزة...
باختصار، لا تحتاج غزة لمبادَرة مصرية، بل لمصر مبادِرة.
إبراهيم علوش
رب قائل أن مصر لا تستطيع التورط في معركة الآن مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، لكن المعركة مفتوحةٌ على الجيش والدولة المصرية منذ إطاحة الرئيس "الإخواني" المعزول محمد مرسي بانتفاضة شعبية، ويعرف صناع القرار في مصر جيداً أنها ليست بالأساس نتاج عوامل داخلية مصرية، ولا نطلب من مصر الدخول مباشرةً في مثل تلك المعركة، فالمطروح أعلاه أكثر من مجرد دعم المقاومة هنا والآن في هذه المعركة، إنما إدراك الواقع الإستراتيجي المحيط بمصر، ومواجهة التحديات الحقيقية حولها، فليس لمصر خيار ثالث بين النهج الناصري أو الساداتي، فإما هذا وإما ذاك، ويستحيل الجمع بينهما.
في ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة لا يفوتنا أن محاولة ادخال مصر بيت الطاعة التركي-القطري لا يجوز ولا يفهم منه إلا محاولة دفع مصر نحو البيت الصهيو-امريكي، وهو ما لا ينسجم مع خط المقاومة المفترض أنه وطني خالص وليس فصائلياً (إخوانياً). لكن المقاومة ليست حماس، وبطولة كتائب القسام إزاء العدو الصهيوني ليست حماس المختبئة خلف الحلف القطري-التركي المعادي لمصر التي تتعرض لعدوان يومي يستهدف جيشها، ولمصر ان تطمئن أن غزة لن تكون منطلقا لعمليات ضدها، ويمكن الاستشهاد هنا بموقف "الجهاد الاسلامي" المتوازن في التعاطي مع مصر، فلا بد من مبادرة غزاوية باتجاه مصر أيضاً.
لا يمكن أن يكون الموقف القومي المبدئي إلا رفض الهُدن طويلة الأمد مع العدو الصهيوني، والمبادرات التي تصب في طاحونة تزكية هذا الطرف أو ذلك على مائدة المفاوضات السياسية مع العدو الصهيوني، وأي تسوية مع العدو الصهيوني أصلاً. لكن ليس مفهوماً البتة رفض المبادرة المصرية لعام 2014 ليُقبل شبيهها من عام 2012، ولا أن تُرفض المبادرة المصرية إلا إذا عُدلت عبر بوابة قطر وتركيا!!! لكنه الفراغ الذي تركته مصر في مجالها الحيوي، الذي يهددها قبل غزة...
باختصار، لا تحتاج غزة لمبادَرة مصرية، بل لمصر مبادِرة.
إبراهيم علوش
0 اكتب تعليق على "غزة تنتظر مبادرة مصرية من نوعٍ أخر"