من منا لم ير بعينيه مأمور المركز وهو يغشش ابنه او ابنته فى الابتدائية والاعدادية ويدس ورقة اجابة اجابة لينقلها فى الثانوية،من منا لم ير طبيب الوحدة الصحية يغشش ابنائه..لكن الغش كان محدودا ومستورا فالطبيب المكلف بمتابعة لجنة الامتحان كان يسأل التلاميذ كلهم عن احوالهم ثم يتجه الى ابنته ويقرا اجاباتها ثم ينصحها باعراب كلمة او كلمتين فى ثوان معدودة وبعدها يخرج محرجا من اللجنة..وكذلك يفعل المحافظ او المسؤول الحكومى بما يعنى ان الغش لم يكن مؤثرا فى النتيجة الكلية فحصول الغشاش على درجة او درجتين ربما تنقذه من الرسوب لكنها لن ترفعه الى مصاف المتفوقين.
ومع تحول الدولة المصرية الى عصر النهب العام والفهلوة واعتماد الفساد سياسة عامة 1974صار الغش اسلوب حياة.
بداية الحكاية:
كانت إمتحانات الثانوية العامة عام 1970 ، آخر العهد بدولة " العدل" التي لَبّى رُبانها النبيل جمال عبد الناصرنداء ربه ، في ذلك اليوم الحزين 28 من سبتمبر 1970 ، فغابت من بعده عدالة إمتحانات تميزت بالحيدة والنزاهة ولم تُدنسها شهوات الرؤساء وزوجاتهم اللاتي دخلن قصر الرئاسة بالإعدادية و خرجن منه و هن يحملن " الدكتوراة" !
بعد أن وَلّى زمن العدالة ، و شاهدها الأكبر عدم تمكن الطالبة "منى جمال عبد الناصر" من الحصول على مجموع يسمح لها بدخول جامعة القاهرة ، فأدخلها والدها "الجامعة الأميركية" ( و كانت أقل شأناً لأنها تضُم " الأقل ذكاءاً " ممن لم ينجحوا في الوصول إلى الحد الأدنى الذي تطلبه جامعات الدولة ) وفي نفس العام دخل ابن سائقه الخاص إحدى "كليات القمة" . التي كانت "الهندسة" و "الفنية العسكرية" للقسم العلمي ، و "الاقتصاد و العلوم السياسية" للقسم الأدبي. و الأخيرة هي الكلية التي دخلتها ابنة عبد الناصر الكُبرى " هدى" بعد حصولها على المركز الرابع عشر على مستوى الجمهورية ، في الثانوية العامة ، فكانت أول و آخر مرّة تكون " إبنة الرئيس من المتفوقين " .
و مرّت مياه " بغيضة" في نهر الزمن ، و جاءت السبعينيات ، و معها " أنور السادات" ، و ابنه " جمال" الذي كانت كانت مشكلته هي نفسها مشكلة أبيه : النَفَس القصير ، و قُصور الهِمّة ، و التطلُع إلى ما في " أيدي الآخرين". و هكذا وصل " جمال أنور السادات" ( الضعيف دراسياً ) إلى الثانوية العامة ، في ذلك العام الفارق ( 1973/1974 ) . و هنا سنقرأ سوياً " شهادة للتاريخ " كتبها د. عبد العظيم أنيس :
" إنني أعتقد أن هذا الباب الخلفي قد فُتح على مصراعيه في عام 1974 عندما كان ابن رئيس الجمهورية السابق ( أنو السادات ) طالباً في الثانوية العامة . كنت آنذاك وثيق الصلة بوزارة التربية والتعليم ، فقد كنت "رئيساً للجنة القومية لتعليم الرياضيات في التعليم العام" ، وكنت مستشاراً للوزارة ومشرفاً على تدريب المدرسين في "الرياضيات المعاصرة" ، وكنت أزور المدارس التي طُبِّقت بها المناهج الجديدة ، وأُناقش نُظّار المدارس في توزيع جدول الرياضيات على المدرسين وفي اختيار المدرسين أنفسهم للتدريس في الفصول المختلفة ، وأحضر كثيراً من الحصص بنفسي .
ومن بين هذه المدارس التي كنت أزورها آنذاك "مدرسة بورسعيد" بالزمالك ، حيث كان جمال السادات ، وكان معروفاً بالمدرسة أنه يستحيل عليه أن ينجح في امتحان الثانوية العامة المصرية ( القسم العلمي ) ، فما بالك بالحصول على مجموع يدخله كلية مثل كلية الهندسة؟! ( التي تخرّج منها "خالد جمال عبد الناصر" متفوقاً ، و عُين فيها "مُعيداً" )
في هذا الوقت بدأت صحف الحكومة ( التي يُفترَض انشغالها بالجيش الثالث المحاصر على الجبهة ) تتحدث فجأة عن "صعوبة مناهج الثانوية العامة" ، وإلى هنا فإن الأمر يمكن إبتلاعه إلى حد ما. لكن الأغرب من ذلك أن الموضوع دخل "مجلس الوزراء" فأخذ المجلس يناقش صعوبة مناهج الثانوية العامة ، وكان د.عبدالقادر حاتم يرأس المجلس ، وقرر "تشكيل لجنة وزارية لبحث الموضوع" !
و كان هذا عجيباً ، إذ أن الشكوى من مناهج التعليم العام أمر طبيعي والآراء بين التربويين تتفاوت حول هذا الموضوع ، لكن الطبيعي أن يدور الجدل حول هذا في أروقة الوزارة المختصة : " وزارة التعليم" . أما أن يجد مجلس الوزراء الوقت لمناقشة مناهج الثانوية العامة بالذات ( وفي عام 1974 بالذات ) عندما كان جمال السادات طالباً بالثانوية العامة . فلا بد أنه كان أكبر من أن يكون "مصادفة سعيدة" !
شُكّلت "اللجنة الوزارية" لبحث هذا الموضوع من د.حسن الشريف وزير التأمينات ود.محمود عبد الحافظ وزير الإسكان ، والدكتور كامل ليلة وزير التعليم الأسبق والمرحوم الأستاذ علي عبد الرازق وزير التربية والتعليم . واستدعيتُ أنا لحضور اجتماعات اللجنة مع أساتذة آخرين من الجامعات ومن رجال الوزارة في مكتب "وزير التأمينات" . و يشهد على هذه الواقعة كثيرون من رجال الجامعات منهم د.صبحي عبدالحكيم ( رئيس مجلس الشورى، فيما بعد ) والذي كان يمثل مادة الجغرافيا ، والدكتور محمد أنيس ، والذي كان يمثل مادة التاريخ ، والدكتور محمد النادي الذي كان يمثل مادة الطبيعة . ولقد قلت للصديق المرحوم د.حسن الشريف ساخراً في التليفون : " إن العلاقة بين التأمينات ومناهج الثانوية العامة لابد أنها وثيقة ، وإلا ما عقدتم الاجتماع في وزارة التأمينات " !
ولقد كان واضحاً أن وزير التعليم د. علي عبد الرازق لم يكن راضياً عن هذا العمل ، ولذلك لم يحضر الاجتماع وحضر الدكتور كامل ليلة الاجتماع قرب نهايته ، ودارت المناقشة أساساً بين المستشارين وبين وزيري التأمينات الاجتماعية والإسكان . وكان واضحاً من أول الاجتماع ، أن "مادة الرياضيات" هي المستهدفة ! ولذا دارت مناقشة حادة بيني وبين وزير الإسكان طالت لأكثر من ساعة ، وصممتُ على موقفي برفضي طلب وزير الإسكان بـ" إلغاء كتاب التفاضل والتكامل من مناهج الثانوية العامة" ، والتفت د. محمود عبد الحافظ إلى د. حسن الشريف وقال بالإنجليزية بصوت مسموع : " لا فائدة .. لا يوجد طريق للتفاهم " ! وأرسل لي أستاذ جامعي تحت منضدة الاجتماع ورقة سلّمها لي د. صبحي عبد الحكيم ( الذي كان يجلس بجواري ) ، يقول فيها :" كفى .. إنك لن تُقنع هؤلاء الناس بشي أبداً " وانفّض الاجتماع وأنا على موقفي ورجال الوزارة من أساتذة الرياضيات متضامنون معي في هذا الموقف مقتنعون بالأسباب التي أبديتها في رفض طلب وزير الإسكان .
كان هذا فيما أذكر في يناير 1974 ، وبعدها نسيت الموضوع ، وانشغلتُ بأعمال كثيرة منها وضع امتحان الثانوية العامة لدور يونيو سنة 1974 في الرياضيات ، ومنها الإعداد لسفري إلى بريطانيا لمدة ستة أشهر ( من مايو إلى أكتوبر ) كأستاذ زائر في إحدى جامعات بريطانيا .. حتى كان يوم جمعة خلال شهر مارس 1974 خرجت فيه مع أسرتي لقضاء النهار وتناول الغداء خارج البيت .
وعندما عدنا بعد الظهر أخبرنا الجيران أن سيارة من رئاسة الجمهورية جاءت تسأل عني مرتين ، وأن رجلاً بالسيارة ترك لدى الجيران ورقة لتسليمها لي ، وعندما فتحت الورقة وجدت أنها من مكتب الرئيس ومكتوب عليها بالحبر : " رجاء الاتصال بأرقام التليفونات ..." ثم توقيع غير واضح . وأدرتُ قرص التليفون بأحد هذه الأرقام وقلت :" أنا فلان … ماذا تريدون مني ؟ " وعرفتُ أن الذي يرد على التليفون هو رجل عرف عن نفسه أنه "العقيد رؤوف" ، وأنه يريد أن يعرف متى يرسلون سيارة من الرئاسة لحضوري إلى منزل الرئيس لأن جمال لديه أسئلة في الرياضيات يريد أن يسألني فيها ؟!
وامتلأت نفسي بالغضب وقلت لمحدثي وأنا أحاول أن أضبط أعصابي : " إنك لا شك لا تعلم أن أستاذ الجامعة يحال إلى مجلس تأديب إذا أعطى دروساً خاصة "
قال في برود : "لا أعرف " .
وقلت : " أنا واثق من ذلك .. وواثق أيضاً أنك لا تعرف أنني واضع امتحان الثانوية العامة" !
قال في برود أيضاً : " لا .. لا أعرف " . وأعطيته أحد المدرسين الأوائل بالمدارس الثانوية ليتصلوا به حتى يُجيب على أسئلة جمال السادات في الرياضيات ووضعت السماعة .
لكنني بقيت في ثورة غضب طوال الليل ، وحاولت زوجتي أن تهديء من غضبي ، وفي الصباح ذهبت إلى وزير التعليم د. علي عبد الرازق لأخبره بما حدث ولأعرف منه إن كان على علم بهذه المهزلة أم لا ؟!
لقد كنتُ ومازلت أُكنُ لهذا الرجل محبة ، لسابق معرفتي به ، ولم أكن أتصور أن يكون له صلة بهذا الموضوع . ولقد أثنى الرجل على موقفي ، لكني وجدته يحاول أن يقنعني بالذهاب مرة واحدة إلى منزل السادات لتقييم " الولد " كما قال : فأمه منزعجة بسبب حالته ، وهي تخشى عليه من الرسوب في الامتحان ولا تعرف ماذا تصنع ؟!
وفهمتُ من الوزير أنها كثيرة الاتصال به في هذا الموضوع ، وأنه يشعر بحرج شديد .
قلت له : " لماذا لا ترسل أحد مفتشي الوزارة أو مدرسيها الأوائل لتقييم الولد ، إن كانت المسألة مجرد تقييم . إنني أريد ان أعرف من الذي أعطاهم اسمي بالذات ؟! " .
قال الوزير : " إن اسمك موجود على الكتب ، والكل يعرف أنك تزور المدراس كثيراً لمتابعة مشروع الرياضيات المعاصرة الذي بدأ مع اليونسكو" .
وصممتُ على رفض طلب الوزير ، وقد حاول مستخدماً معي حججاً أخرى ، فقد قال : "إن السادات خارج من حرب أكتوبر ، وليس لديه وقت للإشراف على الولد " !
وضحكتُ وقلت : " هل تريد أن تقنعني أن السادات لو لم يكن خارجاً من حرب أكتوبر لساعد ابنه في الرياضيات ؟ إنني بصراحة لا أتوقع من وزير التعليم أن يطلب مني هذا الطلب " .
وانصرفتُ من مكتب الوزير حزيناً وتَمّلكني شعور بأن ما حدث بالأمس ليس إلا المحاولة الثانية ، بعد فشل المحاولة الأولى في اختصار المناهج بشدة على يد اللجنة الوزارية ، وكان أشد ما أحزنني هو الشعور بأن مصر تُدار كعزبة .. وعلى الخولي والتَمّلي والأنفار أن يكونوا في خدمة "السيد صاحب العزبة" ، وأن الحديث عن سيادة القانون هو عبث في عبث !
ولم يمض على هذه الواقعة أكثر من شهر حتى حدث تعديل وزاري و أُخرج د. "علي عبد الرازق" من "وزارة التربية والتعليم" و عُيِّن "د. مصطفى كمال حلمي" مكانه في أبريل 1974 ، وذهبتُ إليه مهنئاً كصديق قديم ، لكنني حكيتُ له القصة بأكملها وسألته إن كان يعرفها، فقال إن هذه أول مرة يسمع بها ، فقلتُ على الفور : " على أي حال لقد رويتُ لك تلك القصة حتى لا يحاولوا معك "
كان هذا في أبريل 1974 ولم يبقى على امتحان الثانوية العامة المصرية غير شهرين . وقد عرفتُ بعد ذلك أن شخصاً ما تقدم لهم بالحل العبقري .. وهو إخراج ابن السادات من امتحان الثانوية العامة المصري وإدخاله امتحان الثانوية الإنجليزية في يونيو ، حيث لا يوجد امتحان في اللغة العربية ، وحيث "امتحان الرياضيات" هو امتحان الضرب والقسمة ، و لا شيء أكثر !
إلى هنا تنتهي " شهادة" د. عبد العظيم أنيس ،( شهادة للتاريخ : مجلة وجهات نظر _ العدد 76 _ مايو 2005 _ الصفحة 67 : 69 ) عما كان شاهداً عليه في " عزبة أنور السادات"، الذي يِطالب وزير إسكانه بلا قطرة خجل بإلغاء مادة "التفاضل و التكامل" من منهاج الرياضيات ، لأن " النَنّوس" كان لا يفقه أَلِف "التفاضُل" من باء "التكامل". لكن أنور و جيهان يريدان أن يدرس ابنهما هندسة " زي إبن عبد الناصر" . فكان " الباب الخلفي" هو " إستدعاء واضع أسئلة الإمتحان إلى " بيت الرئيس" أبو التلميذ الفاشل !
و لما أُغلق هذا الباب بيد " عِناد الأستاذ الشريف"'، كان القفز السريع من المركب " المصري" الغارق ، إلى ما بدا أنه " قارب نجاة " متمثلاً في " الثانوية البريطانية " ( و هي لا تؤهل لدخول الجامعة في بريطانيا، بل لسوق العمل فقط !) حيث امتحان "الرياضيات" هو "امتحان الضرب والقسمة" !
و هكذا دخل " جمال أنور السادات" ، " قسم الهندسة الكيمائية" بكلية هندسة القاهرة . وواجهته مشكلة أكبر و أعمق من مشكلة " الرياضيات " في الثانوية العامة ، التي أَمكن التحايل عليها . لكن في الكلية كان يوجَد مَن آثروا السلامة ، فمَرّروا ما لا ينبغي أن يمُر من أُمور لا يصدقها عقل فـ" النَنّوس" كانت نسبة غيابه في سَنَته الجامعية الأولى 100% ، ما يحرمه من دخول الامتحان . إلا أن إدارة الجامعة ( كان يرأسها د . صوفي أبو طالب) استثنت " إبن الرئيس" وحده ، فحصل على تقدير "جيد" في إحدى المواد التي يتلقى فيها درساً خاصاً ، رغم أن درجته في "أعمال السنة" كانت " صفراً مُربعاً " ما يفترض ألا يحصل على أكثر من تقدير "مقبول" .و في السنة الثانية كان " عبده مشتاق" بدرجة " أُستاذ جامعي" يقف في لجنة الإمتحان شاهراً مُسدساً بدعوى أنه " يحمي ابن كبير العائلة" . و رغم ذلك لم يخلُ الأمر من " شرفاء" ، كان أحدهم هو د . محمد علي صالح رئيس قسم الهندسة الكيمائية ، الذي يدرس فيه ابن السادات . فأثناء أحد الإمتحانات ، مَر رئيس القسم يتفقد الإمتحان ، فلاحظ أُموراً لا ينبغي أن تُترك بدون وقفة حاسمة . و هكذا ضيَّق رئيس القسم على ابن السادات فمنعه من " الغش" .وكتب إلى " أبيه" ( الذي تصادف أنه كان يُطلق على نفسه " الرئيس المؤمن" و يدّعي أنه يؤسس" دولة العلم و الإيمان" ) كتب د. صالح إلى السادات بصفته "ولي أمر طالب " يدرس بالقسم الذي يترأسه ، وأخبره عن أصفار ابنه طوال العام التي تتحول إلى "إمتياز" بأيدٍ غير خفيّة ، تطعن " النزاهة الجامعية" في مقتل !
و لهذا السبب وحده ، قام د. صوفي أبو طالب ، ( رئيس جامعة القاهرة ، آنذاك ) ، بإصدار قرار فصل رئيس القسم ، الذي لم يغُص به حلق البيروقراطية المصرية الشهيرة ،فكان قرار الفصل " مُسبباً " بإتهام د. صالح بتهمة أقرب إلى الجاسوسية والتخابر ( طبقا لأحكام المادة 83 من قانون الجامعة الخاصة بالتعامل مع دولة أجنبية ومعاداة نظام الحكم ) ! و هكذا وجد الرجل الشريف نفسه خارج جامعته و كليته و قسمه ، موظفاً بوزارة الثقافة . بينما تلقّى "صوفي أبو طالب" مكافأته بأن انتُخب في العام نفسه ( 1975 ) عضواً باللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي ، و في العام التالي نائباً بمجلس الشعب ، قبل أن يتخرج " النَنّوس" بالغش والتزوير رغم أن نسبة حضوره كانت صفراً ، تحوّل إلى " بكالوريوس هندسة بتقدير إمتياز ، دفعة مايو 1978 " و هكذا أنجز "صوفي أبو طالب" مهمته تحت قُبّة جامعة القاهرة ، فغادرها مع " النَنّوس" ، ليجلس تحت قُبّة أُخرى على سبيل " مكافأة نهاية الخدمة " ، فانتُخب رئيساً لـ" مجلس - لمؤاخذة-الشعب"
المهم أنه بعد أن قُتل السادات ، نشرت جريدة "الأهالى" اليسارية ، قصة حصول " النْنّوس" على بكالوريوس الهندسة عن غير الطريق الشريف ( في تحقيق وافي كتبه " عاصم حنفي" ، في العدد 64 من الإصدار الثاني ، في ديسمبر 1982 ) . فقام المهندس إبراهيم شكرى ( رئيس حزب العمل ) ، بالتقدُم بما جاء بالجريدة كإستجواب ضد الحكومة فى "مجلس الشعب" ، ( الذي كان يترأسه حينذاك صوفي أبو طالب نفسه ! ) فتَصدّت " د.سهير القلماوي" عضو المجلس لمهمة الدفاع ، و هكذا إنتهت الجلسة ( كالعادة ) بالعودة لجدول الأعمال.
على أن تفاصيل " الجريمة" كانت أفدح و أفضح من أن تمُر ، فكتب " إبراهيم سِعدة" فى جريدة "مايو" لسان حال " الحزب الوطني " ( التي كان "سعدة" يترأس تحريرها آنذاك ) مقالاً ساخناً تحت عنوان " المهزوز" ، شبّه فيه " صوفي أبو طالب " بـ" محمود شكوكو" ، طالباً منه بوصفه رئيساً لمجلس الشعب ، و عضواً قيادياً في "الحزب الوطني" الحاكم ، ( و قبل هذا و بعده " الرئيس المؤقت" الذي توّلى رئاسة الجمهورية ، ثمانية أيام بين مقتل السادات و الاستفتاء على مبارك رئيساً جديداً ) طلب " سعدة "الرد على ما نشرته " الأهالي" في تحقيقها الموّثق الكاشف لعورات النظام . ولم يأت رد " أبو طالب" بالطبع ، بل جاء بدلاً منه قرار إزاحة " سعدة" من منصبه ، رئيساً لتحرير " جريدة الحزب الوطني" الذي تولّاه مكانه " سمير رجب" . و بعد عدة أشهر ( 4 نوڤمبر 1983 ) ، أُطيح بـ" أبو طالب" من رئاسة "مجلس- لمؤاخذة- الشعب" !
ختاماً : إذا أردنا أن نعرف كيف وصلنا إلى ما نحن فيه ، لابد أن نعرف كيف بدأنا ما نحن فيه . فلا توجد نهايات كارثية بدون بدايات كارثية ، أو هكذا ندّعي !
بداية الحكاية:
كانت إمتحانات الثانوية العامة عام 1970 ، آخر العهد بدولة " العدل" التي لَبّى رُبانها النبيل جمال عبد الناصرنداء ربه ، في ذلك اليوم الحزين 28 من سبتمبر 1970 ، فغابت من بعده عدالة إمتحانات تميزت بالحيدة والنزاهة ولم تُدنسها شهوات الرؤساء وزوجاتهم اللاتي دخلن قصر الرئاسة بالإعدادية و خرجن منه و هن يحملن " الدكتوراة" !
بعد أن وَلّى زمن العدالة ، و شاهدها الأكبر عدم تمكن الطالبة "منى جمال عبد الناصر" من الحصول على مجموع يسمح لها بدخول جامعة القاهرة ، فأدخلها والدها "الجامعة الأميركية" ( و كانت أقل شأناً لأنها تضُم " الأقل ذكاءاً " ممن لم ينجحوا في الوصول إلى الحد الأدنى الذي تطلبه جامعات الدولة ) وفي نفس العام دخل ابن سائقه الخاص إحدى "كليات القمة" . التي كانت "الهندسة" و "الفنية العسكرية" للقسم العلمي ، و "الاقتصاد و العلوم السياسية" للقسم الأدبي. و الأخيرة هي الكلية التي دخلتها ابنة عبد الناصر الكُبرى " هدى" بعد حصولها على المركز الرابع عشر على مستوى الجمهورية ، في الثانوية العامة ، فكانت أول و آخر مرّة تكون " إبنة الرئيس من المتفوقين " .
و مرّت مياه " بغيضة" في نهر الزمن ، و جاءت السبعينيات ، و معها " أنور السادات" ، و ابنه " جمال" الذي كانت كانت مشكلته هي نفسها مشكلة أبيه : النَفَس القصير ، و قُصور الهِمّة ، و التطلُع إلى ما في " أيدي الآخرين". و هكذا وصل " جمال أنور السادات" ( الضعيف دراسياً ) إلى الثانوية العامة ، في ذلك العام الفارق ( 1973/1974 ) . و هنا سنقرأ سوياً " شهادة للتاريخ " كتبها د. عبد العظيم أنيس :
" إنني أعتقد أن هذا الباب الخلفي قد فُتح على مصراعيه في عام 1974 عندما كان ابن رئيس الجمهورية السابق ( أنو السادات ) طالباً في الثانوية العامة . كنت آنذاك وثيق الصلة بوزارة التربية والتعليم ، فقد كنت "رئيساً للجنة القومية لتعليم الرياضيات في التعليم العام" ، وكنت مستشاراً للوزارة ومشرفاً على تدريب المدرسين في "الرياضيات المعاصرة" ، وكنت أزور المدارس التي طُبِّقت بها المناهج الجديدة ، وأُناقش نُظّار المدارس في توزيع جدول الرياضيات على المدرسين وفي اختيار المدرسين أنفسهم للتدريس في الفصول المختلفة ، وأحضر كثيراً من الحصص بنفسي .
ومن بين هذه المدارس التي كنت أزورها آنذاك "مدرسة بورسعيد" بالزمالك ، حيث كان جمال السادات ، وكان معروفاً بالمدرسة أنه يستحيل عليه أن ينجح في امتحان الثانوية العامة المصرية ( القسم العلمي ) ، فما بالك بالحصول على مجموع يدخله كلية مثل كلية الهندسة؟! ( التي تخرّج منها "خالد جمال عبد الناصر" متفوقاً ، و عُين فيها "مُعيداً" )
في هذا الوقت بدأت صحف الحكومة ( التي يُفترَض انشغالها بالجيش الثالث المحاصر على الجبهة ) تتحدث فجأة عن "صعوبة مناهج الثانوية العامة" ، وإلى هنا فإن الأمر يمكن إبتلاعه إلى حد ما. لكن الأغرب من ذلك أن الموضوع دخل "مجلس الوزراء" فأخذ المجلس يناقش صعوبة مناهج الثانوية العامة ، وكان د.عبدالقادر حاتم يرأس المجلس ، وقرر "تشكيل لجنة وزارية لبحث الموضوع" !
و كان هذا عجيباً ، إذ أن الشكوى من مناهج التعليم العام أمر طبيعي والآراء بين التربويين تتفاوت حول هذا الموضوع ، لكن الطبيعي أن يدور الجدل حول هذا في أروقة الوزارة المختصة : " وزارة التعليم" . أما أن يجد مجلس الوزراء الوقت لمناقشة مناهج الثانوية العامة بالذات ( وفي عام 1974 بالذات ) عندما كان جمال السادات طالباً بالثانوية العامة . فلا بد أنه كان أكبر من أن يكون "مصادفة سعيدة" !
شُكّلت "اللجنة الوزارية" لبحث هذا الموضوع من د.حسن الشريف وزير التأمينات ود.محمود عبد الحافظ وزير الإسكان ، والدكتور كامل ليلة وزير التعليم الأسبق والمرحوم الأستاذ علي عبد الرازق وزير التربية والتعليم . واستدعيتُ أنا لحضور اجتماعات اللجنة مع أساتذة آخرين من الجامعات ومن رجال الوزارة في مكتب "وزير التأمينات" . و يشهد على هذه الواقعة كثيرون من رجال الجامعات منهم د.صبحي عبدالحكيم ( رئيس مجلس الشورى، فيما بعد ) والذي كان يمثل مادة الجغرافيا ، والدكتور محمد أنيس ، والذي كان يمثل مادة التاريخ ، والدكتور محمد النادي الذي كان يمثل مادة الطبيعة . ولقد قلت للصديق المرحوم د.حسن الشريف ساخراً في التليفون : " إن العلاقة بين التأمينات ومناهج الثانوية العامة لابد أنها وثيقة ، وإلا ما عقدتم الاجتماع في وزارة التأمينات " !
ولقد كان واضحاً أن وزير التعليم د. علي عبد الرازق لم يكن راضياً عن هذا العمل ، ولذلك لم يحضر الاجتماع وحضر الدكتور كامل ليلة الاجتماع قرب نهايته ، ودارت المناقشة أساساً بين المستشارين وبين وزيري التأمينات الاجتماعية والإسكان . وكان واضحاً من أول الاجتماع ، أن "مادة الرياضيات" هي المستهدفة ! ولذا دارت مناقشة حادة بيني وبين وزير الإسكان طالت لأكثر من ساعة ، وصممتُ على موقفي برفضي طلب وزير الإسكان بـ" إلغاء كتاب التفاضل والتكامل من مناهج الثانوية العامة" ، والتفت د. محمود عبد الحافظ إلى د. حسن الشريف وقال بالإنجليزية بصوت مسموع : " لا فائدة .. لا يوجد طريق للتفاهم " ! وأرسل لي أستاذ جامعي تحت منضدة الاجتماع ورقة سلّمها لي د. صبحي عبد الحكيم ( الذي كان يجلس بجواري ) ، يقول فيها :" كفى .. إنك لن تُقنع هؤلاء الناس بشي أبداً " وانفّض الاجتماع وأنا على موقفي ورجال الوزارة من أساتذة الرياضيات متضامنون معي في هذا الموقف مقتنعون بالأسباب التي أبديتها في رفض طلب وزير الإسكان .
كان هذا فيما أذكر في يناير 1974 ، وبعدها نسيت الموضوع ، وانشغلتُ بأعمال كثيرة منها وضع امتحان الثانوية العامة لدور يونيو سنة 1974 في الرياضيات ، ومنها الإعداد لسفري إلى بريطانيا لمدة ستة أشهر ( من مايو إلى أكتوبر ) كأستاذ زائر في إحدى جامعات بريطانيا .. حتى كان يوم جمعة خلال شهر مارس 1974 خرجت فيه مع أسرتي لقضاء النهار وتناول الغداء خارج البيت .
وعندما عدنا بعد الظهر أخبرنا الجيران أن سيارة من رئاسة الجمهورية جاءت تسأل عني مرتين ، وأن رجلاً بالسيارة ترك لدى الجيران ورقة لتسليمها لي ، وعندما فتحت الورقة وجدت أنها من مكتب الرئيس ومكتوب عليها بالحبر : " رجاء الاتصال بأرقام التليفونات ..." ثم توقيع غير واضح . وأدرتُ قرص التليفون بأحد هذه الأرقام وقلت :" أنا فلان … ماذا تريدون مني ؟ " وعرفتُ أن الذي يرد على التليفون هو رجل عرف عن نفسه أنه "العقيد رؤوف" ، وأنه يريد أن يعرف متى يرسلون سيارة من الرئاسة لحضوري إلى منزل الرئيس لأن جمال لديه أسئلة في الرياضيات يريد أن يسألني فيها ؟!
وامتلأت نفسي بالغضب وقلت لمحدثي وأنا أحاول أن أضبط أعصابي : " إنك لا شك لا تعلم أن أستاذ الجامعة يحال إلى مجلس تأديب إذا أعطى دروساً خاصة "
قال في برود : "لا أعرف " .
وقلت : " أنا واثق من ذلك .. وواثق أيضاً أنك لا تعرف أنني واضع امتحان الثانوية العامة" !
قال في برود أيضاً : " لا .. لا أعرف " . وأعطيته أحد المدرسين الأوائل بالمدارس الثانوية ليتصلوا به حتى يُجيب على أسئلة جمال السادات في الرياضيات ووضعت السماعة .
لكنني بقيت في ثورة غضب طوال الليل ، وحاولت زوجتي أن تهديء من غضبي ، وفي الصباح ذهبت إلى وزير التعليم د. علي عبد الرازق لأخبره بما حدث ولأعرف منه إن كان على علم بهذه المهزلة أم لا ؟!
لقد كنتُ ومازلت أُكنُ لهذا الرجل محبة ، لسابق معرفتي به ، ولم أكن أتصور أن يكون له صلة بهذا الموضوع . ولقد أثنى الرجل على موقفي ، لكني وجدته يحاول أن يقنعني بالذهاب مرة واحدة إلى منزل السادات لتقييم " الولد " كما قال : فأمه منزعجة بسبب حالته ، وهي تخشى عليه من الرسوب في الامتحان ولا تعرف ماذا تصنع ؟!
وفهمتُ من الوزير أنها كثيرة الاتصال به في هذا الموضوع ، وأنه يشعر بحرج شديد .
قلت له : " لماذا لا ترسل أحد مفتشي الوزارة أو مدرسيها الأوائل لتقييم الولد ، إن كانت المسألة مجرد تقييم . إنني أريد ان أعرف من الذي أعطاهم اسمي بالذات ؟! " .
قال الوزير : " إن اسمك موجود على الكتب ، والكل يعرف أنك تزور المدراس كثيراً لمتابعة مشروع الرياضيات المعاصرة الذي بدأ مع اليونسكو" .
وصممتُ على رفض طلب الوزير ، وقد حاول مستخدماً معي حججاً أخرى ، فقد قال : "إن السادات خارج من حرب أكتوبر ، وليس لديه وقت للإشراف على الولد " !
وضحكتُ وقلت : " هل تريد أن تقنعني أن السادات لو لم يكن خارجاً من حرب أكتوبر لساعد ابنه في الرياضيات ؟ إنني بصراحة لا أتوقع من وزير التعليم أن يطلب مني هذا الطلب " .
وانصرفتُ من مكتب الوزير حزيناً وتَمّلكني شعور بأن ما حدث بالأمس ليس إلا المحاولة الثانية ، بعد فشل المحاولة الأولى في اختصار المناهج بشدة على يد اللجنة الوزارية ، وكان أشد ما أحزنني هو الشعور بأن مصر تُدار كعزبة .. وعلى الخولي والتَمّلي والأنفار أن يكونوا في خدمة "السيد صاحب العزبة" ، وأن الحديث عن سيادة القانون هو عبث في عبث !
ولم يمض على هذه الواقعة أكثر من شهر حتى حدث تعديل وزاري و أُخرج د. "علي عبد الرازق" من "وزارة التربية والتعليم" و عُيِّن "د. مصطفى كمال حلمي" مكانه في أبريل 1974 ، وذهبتُ إليه مهنئاً كصديق قديم ، لكنني حكيتُ له القصة بأكملها وسألته إن كان يعرفها، فقال إن هذه أول مرة يسمع بها ، فقلتُ على الفور : " على أي حال لقد رويتُ لك تلك القصة حتى لا يحاولوا معك "
كان هذا في أبريل 1974 ولم يبقى على امتحان الثانوية العامة المصرية غير شهرين . وقد عرفتُ بعد ذلك أن شخصاً ما تقدم لهم بالحل العبقري .. وهو إخراج ابن السادات من امتحان الثانوية العامة المصري وإدخاله امتحان الثانوية الإنجليزية في يونيو ، حيث لا يوجد امتحان في اللغة العربية ، وحيث "امتحان الرياضيات" هو امتحان الضرب والقسمة ، و لا شيء أكثر !
إلى هنا تنتهي " شهادة" د. عبد العظيم أنيس ،( شهادة للتاريخ : مجلة وجهات نظر _ العدد 76 _ مايو 2005 _ الصفحة 67 : 69 ) عما كان شاهداً عليه في " عزبة أنور السادات"، الذي يِطالب وزير إسكانه بلا قطرة خجل بإلغاء مادة "التفاضل و التكامل" من منهاج الرياضيات ، لأن " النَنّوس" كان لا يفقه أَلِف "التفاضُل" من باء "التكامل". لكن أنور و جيهان يريدان أن يدرس ابنهما هندسة " زي إبن عبد الناصر" . فكان " الباب الخلفي" هو " إستدعاء واضع أسئلة الإمتحان إلى " بيت الرئيس" أبو التلميذ الفاشل !
و لما أُغلق هذا الباب بيد " عِناد الأستاذ الشريف"'، كان القفز السريع من المركب " المصري" الغارق ، إلى ما بدا أنه " قارب نجاة " متمثلاً في " الثانوية البريطانية " ( و هي لا تؤهل لدخول الجامعة في بريطانيا، بل لسوق العمل فقط !) حيث امتحان "الرياضيات" هو "امتحان الضرب والقسمة" !
و هكذا دخل " جمال أنور السادات" ، " قسم الهندسة الكيمائية" بكلية هندسة القاهرة . وواجهته مشكلة أكبر و أعمق من مشكلة " الرياضيات " في الثانوية العامة ، التي أَمكن التحايل عليها . لكن في الكلية كان يوجَد مَن آثروا السلامة ، فمَرّروا ما لا ينبغي أن يمُر من أُمور لا يصدقها عقل فـ" النَنّوس" كانت نسبة غيابه في سَنَته الجامعية الأولى 100% ، ما يحرمه من دخول الامتحان . إلا أن إدارة الجامعة ( كان يرأسها د . صوفي أبو طالب) استثنت " إبن الرئيس" وحده ، فحصل على تقدير "جيد" في إحدى المواد التي يتلقى فيها درساً خاصاً ، رغم أن درجته في "أعمال السنة" كانت " صفراً مُربعاً " ما يفترض ألا يحصل على أكثر من تقدير "مقبول" .و في السنة الثانية كان " عبده مشتاق" بدرجة " أُستاذ جامعي" يقف في لجنة الإمتحان شاهراً مُسدساً بدعوى أنه " يحمي ابن كبير العائلة" . و رغم ذلك لم يخلُ الأمر من " شرفاء" ، كان أحدهم هو د . محمد علي صالح رئيس قسم الهندسة الكيمائية ، الذي يدرس فيه ابن السادات . فأثناء أحد الإمتحانات ، مَر رئيس القسم يتفقد الإمتحان ، فلاحظ أُموراً لا ينبغي أن تُترك بدون وقفة حاسمة . و هكذا ضيَّق رئيس القسم على ابن السادات فمنعه من " الغش" .وكتب إلى " أبيه" ( الذي تصادف أنه كان يُطلق على نفسه " الرئيس المؤمن" و يدّعي أنه يؤسس" دولة العلم و الإيمان" ) كتب د. صالح إلى السادات بصفته "ولي أمر طالب " يدرس بالقسم الذي يترأسه ، وأخبره عن أصفار ابنه طوال العام التي تتحول إلى "إمتياز" بأيدٍ غير خفيّة ، تطعن " النزاهة الجامعية" في مقتل !
و لهذا السبب وحده ، قام د. صوفي أبو طالب ، ( رئيس جامعة القاهرة ، آنذاك ) ، بإصدار قرار فصل رئيس القسم ، الذي لم يغُص به حلق البيروقراطية المصرية الشهيرة ،فكان قرار الفصل " مُسبباً " بإتهام د. صالح بتهمة أقرب إلى الجاسوسية والتخابر ( طبقا لأحكام المادة 83 من قانون الجامعة الخاصة بالتعامل مع دولة أجنبية ومعاداة نظام الحكم ) ! و هكذا وجد الرجل الشريف نفسه خارج جامعته و كليته و قسمه ، موظفاً بوزارة الثقافة . بينما تلقّى "صوفي أبو طالب" مكافأته بأن انتُخب في العام نفسه ( 1975 ) عضواً باللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي ، و في العام التالي نائباً بمجلس الشعب ، قبل أن يتخرج " النَنّوس" بالغش والتزوير رغم أن نسبة حضوره كانت صفراً ، تحوّل إلى " بكالوريوس هندسة بتقدير إمتياز ، دفعة مايو 1978 " و هكذا أنجز "صوفي أبو طالب" مهمته تحت قُبّة جامعة القاهرة ، فغادرها مع " النَنّوس" ، ليجلس تحت قُبّة أُخرى على سبيل " مكافأة نهاية الخدمة " ، فانتُخب رئيساً لـ" مجلس - لمؤاخذة-الشعب"
المهم أنه بعد أن قُتل السادات ، نشرت جريدة "الأهالى" اليسارية ، قصة حصول " النْنّوس" على بكالوريوس الهندسة عن غير الطريق الشريف ( في تحقيق وافي كتبه " عاصم حنفي" ، في العدد 64 من الإصدار الثاني ، في ديسمبر 1982 ) . فقام المهندس إبراهيم شكرى ( رئيس حزب العمل ) ، بالتقدُم بما جاء بالجريدة كإستجواب ضد الحكومة فى "مجلس الشعب" ، ( الذي كان يترأسه حينذاك صوفي أبو طالب نفسه ! ) فتَصدّت " د.سهير القلماوي" عضو المجلس لمهمة الدفاع ، و هكذا إنتهت الجلسة ( كالعادة ) بالعودة لجدول الأعمال.
على أن تفاصيل " الجريمة" كانت أفدح و أفضح من أن تمُر ، فكتب " إبراهيم سِعدة" فى جريدة "مايو" لسان حال " الحزب الوطني " ( التي كان "سعدة" يترأس تحريرها آنذاك ) مقالاً ساخناً تحت عنوان " المهزوز" ، شبّه فيه " صوفي أبو طالب " بـ" محمود شكوكو" ، طالباً منه بوصفه رئيساً لمجلس الشعب ، و عضواً قيادياً في "الحزب الوطني" الحاكم ، ( و قبل هذا و بعده " الرئيس المؤقت" الذي توّلى رئاسة الجمهورية ، ثمانية أيام بين مقتل السادات و الاستفتاء على مبارك رئيساً جديداً ) طلب " سعدة "الرد على ما نشرته " الأهالي" في تحقيقها الموّثق الكاشف لعورات النظام . ولم يأت رد " أبو طالب" بالطبع ، بل جاء بدلاً منه قرار إزاحة " سعدة" من منصبه ، رئيساً لتحرير " جريدة الحزب الوطني" الذي تولّاه مكانه " سمير رجب" . و بعد عدة أشهر ( 4 نوڤمبر 1983 ) ، أُطيح بـ" أبو طالب" من رئاسة "مجلس- لمؤاخذة- الشعب" !
ختاماً : إذا أردنا أن نعرف كيف وصلنا إلى ما نحن فيه ، لابد أن نعرف كيف بدأنا ما نحن فيه . فلا توجد نهايات كارثية بدون بدايات كارثية ، أو هكذا ندّعي !
0 اكتب تعليق على "غش الثانوية العامة بدأ بإبن السادات ووصل الى ابناء المسنودين"