شارك أمس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في اجتماع بوزارة العدل لمناقشة وضع مشروع قانون جديد للجمعيات الأهلية.
وقد اعترض ممثلو مركز القاهرة في الاجتماع على إدراج مشروع القانون المقدم من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، في جدول أعمال الاجتماع، لأن القانون المقترح لا صلة له بموضوع الاجتماع، أي تنظيم النشاط الأهلي. بينما القانون المقترح يستهدف تأميم المجتمع المدني، وتحويل الجمعيات والمؤسسات الأهلية إلى دواوين إدارية تراقب نشاطها الأجهزة الأمنية المتعددة، التي منحها القانون دورًا رسميًا لأول مرة في تاريخ قوانين الجمعيات الأهلية في مصر، وذلك في إطار ما أسماه القانون “اللجنة التنسيقية”.
جدير بالذكر أن مجلس الوزراء كان قد ناقش مشروع القانون منذ ثلاثة شهور، ووافق عليه بعد أن أبدى ملاحظات محدودة، وطلب من وزارة الشئون الاجتماعية عرضه على ما أسماه “الحوار المجتمعي”، الذي يشكل اجتماع أمس أحد حلقاته. وقد أكد ممثل وزارة الشئون الاجتماعية في اجتماع أمس أن عدة وزارات وأجهزة أمنية شاركت في صياغة هذا المشروع، الأمر الذي يؤكد أنه مشروع الحكومة، وليس وزارة الشئون الاجتماعية وحدها.
إن مشروع قانون الحكومة المقترح لتنظيم الجمعيات الأهلية ينطلق من فلسفة قمعية بائسة، وهو أكثر تقييدًا من القانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، وأكثر قمعًا وعداءً للمجتمع المدني من كل قوانين ومسودات قوانين الجمعيات الأهلية في عهدي عبد الناصر ومبارك، وفترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة. بل إنه يتعارض مع نص المادة 51 من الدستور الجديد، التي تنص على تأسيس الجمعيات بـ”الإخطار”، وهو ما خالفه مشروع القانون عمليًا، برغم أنه استخدم لفظ “إخطار”، كما يتيح القانون للحكومة التدخل في النشاط اليومي للجمعيات، وفي مدى صلاحية مرشحيها لمجالس إدارتها، فضلاً عن التحكم الأمني في أنشطتها ذاتها، من خلال منح اللجنة التنسيقية “الأمنية” حق الموافقة أو الرفض لتمويل أنشطة بعينها.
يحظر مشروع القانون الجديد أية أشكال أخرى لتنظيم المجتمع المدني باستثناء الجمعيات والمؤسسات الأهلية، الأمر الذي يؤدي في حالة إصدار هذا القانون، إلى تجريم عدد من منظمات حقوق الإنسان والجماعات الشبابية والفنية والأدبية، وكل أشكال التنظيم المدني المستقلة التي نشأت بعد الثورة. إن إصدار هذا القانون قد يؤدي إلى انتقال عدد من منظمات المجتمع المدني للعمل من خارج البلاد، على النحو الذي عرفته دول قمعية، مثل ليبيا في عهد القذافي، وسوريا وزيمبابوي.. وغيرها.
تعد فلسفة مشروع القانون تجسيدًا لعداء حكومة د. محمد مرسي للمجتمع المدني، ومحاولة السيطرة عليها بشتى الطرق، وعدم احترام التزامات مصر الدولية بمقتضى الاتفاقيات التي صدقت عليها الحكومة المصرية من قبل، والمعايير الدولية الخاصة بحقوق المواطنين في تكوين الجمعيات والدفاع عن حقوق الإنسان.
لا شك أن دعوة وزارة العدل للحوار المجتمعي فكرة جيدة، بقدر ما يكون هناك مشروع قانون جاد يمكن الحوار حوله، أما غير ذلك فيؤدي فقط إلى إيهام المجتمع بأن هناك مشاورات جادة تجري، بينما هناك مشروع قانون ينتظر تقديمه بصورة تبدو كما لو كانت ديمقراطية (اقترح أحد ممثلي الحكومة في اجتماع الأمس: “أن يكون تصويت المجتمعين محددًا لنتيجة المشاورات”!).
بناءً على ذلك يدعو مركز القاهرة الحكومة لسحب المشروع المقترح منها، والبت في المشروع المقترح من 56 منظمة حقوقية وجمعية أهلية، باعتباره نقطة الانطلاق، أو المقترح السابق لوزير العدل بالعودة إلى المواد الملغاة من القانون المدني ذات الصلة. جدير بالذكر أن السيد وزير العدل، كان قد أبلغ مركز القاهرة قبل الاجتماع بأن مشروع القانون المقترح من 56 منظمة حقوقية وجمعية أهلية سيكون مطروحًا كأحد البدائل في الاجتماع، ولكن الملف الذي جرى توزيعه على المجتمعين لم يتضمن هذا المشروع.
وقد أوضح ممثلو مركز القاهرة في الاجتماع أنهم لن يكونوا شركاءً في أي اجتماع يناقش أي مقترح بتأميم المجتمع المدني، وتحويله إلى مصلحة حكومية. شارك في الاجتماع من مركز القاهرة محمد زارع ومحمد الأنصاري، ومثَّل وزارة الشئون الاجتماعية مستشارها القانوني د.محمد الدمرداش. كما شارك مندوب عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومندوب عن الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، وممثلين عن مركز العقد الاجتماعي بمجلس الوزراء. وأدار الاجتماع المستشار د.هيثم البقلي من وزارة العدل.
0 اكتب تعليق على "على حكومة د. مرسي أن تسحب مشروعها لتأميم النشاط الأهلي"